مقدمة:
يعتبر الوطن العربي مهد الحضارات، وشاهد على قيام الممالك بدءاً بمملكة سباً في اليمن. وقد أدت الهجرات التي أملت عليها ندرة المياه والجفاف إلى انتقال السكان على طول البحر الأحمر إلى شمال الجزيرة العربية والشمال الإفريقي، وجنوباً إلى بحر العرب وشرق إفريقيا وجنوب شرق إفريقيا ثمّ صعوداً إلى الخليج.
وقد أسس البابليون في العراق، والفراعنة في مصر حضارات عريقة في المنطقة استطاعت لأْْمد بعيد لعب دور هام وبارز في تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، إلى أن توالت على المنطقة حضارات الإغريق، والرومان، والأنباط. وفي هذه الأثناء تمكنت ممالك عربية صغيرة بقوة محدودة من الظهور في الفترة الواقعة بين الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية؛ معلنة ظهور الدولة الإسلامية التي استطاعت ضم وتوحيد المنطقة بأسرها، وممتدة في كل الاتجاهات شمالاً وغرباً إلى أوروبا، وجنوبا إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وتحت لواء الإسلام الذي نصّت تعاليمه على نشر العلم، وحثّ على تعليم الذكور والإناث على حدّ سواء؛ استطاع المسلمون ومن كان تحت لوائهم وكافة سكان المنطقة من غير المسلمين إحداث نهضة في مجال الآداب، العلوم الإنسانية الطب، الجراحة، البصريات، الملاحة، الكيمياء، الفيزياء، الجبر، العلوم، والتكنولوجيا. واستطاع الوطن العربي عبر طريق الحرير أن يسيّر تجارة رائجة في الفكر والعلوم، وشكل حلقة وصل بين حضارات آسيا وإفريقيا وأوروبا.
يبلغ عدد سكان الوطن العربي حالياّ حوالي (287) مليون نسمة، بما يشكّل (5%) من إجمالي سكان العالم. ويمكن القول أن كافة أقطاره متشابهة اجتماعياّ، لغوياّ، وديموغرافياّ، ويضم عموماّ معدلات زواج مرتفعه، وزواج مبكر يليه حمل مباشر وغير متباعد؛ مما يزيد ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، وزيادة في معدلات الشباب؛ الأمر الذي يقود إلى زيادة الأعباء والتبعية والاتكال، وشيوع الأمية خاصة بين النساء في الوطن العربي، وانتشار فقر الدم الناتج عن الحمل المبكر والمتكرر، نقص الحديد، سوء التغذية، ونقص البروتين هي عناصر يعزى أسباب تزايدها إلى: " الزواج المبكر- الحمل المباشر بعد الزواج – عدم المباعدة بين فترات الحمل – فقر الدم "والتي تؤدي بالتالي إلى " استنزاف صحة الأمهات ـ الإجهاض العفوي ـ ولادة غير مكتملة "، أو قد يتسبب بمواليد أوزانهم دون المعدل ( التقزّم والنحول)، أو بطيئي النمو. وهذا بالتالي يقود إلى ازدياد نسبة الأمراض بين الأمهات والمواليد والأطفال " مثل الأمراض والإصابات المتعلقة بالحمل والولادة ".
هناك أيضاّ اختلافات متباينة واضحة بين السكان في الدول العربية، وبين الدول نفسها والمتمثلـة في مستويات التطور، المدنية، البطالة، الدخل القومي، التوزيع السكاني ومعدلات النمو. بالإضافة إلى اختلاف الدول وتباينها في وعيها وإدراكها للمشاكل السكانية، والسياسات والإستراتيجيات السكانية التي تحتاجها لتحديد مشاكلها السكانية، وحل الأمور العالقة من أجل إحراز تطور مستدام، ويمدّه بأسباب الحياة والتطور.
عام 1973 فسّر "عبد الرحيم عمران" التحولات الديموغرافيّة في الوطن العربي من خلال نظريته في علم الأوبئة الانتقالي؛ حيث اعتبر أن الوفاة هي العامل الرئيسي للتحول والتغير السكاني، بينما اعتبر أن المواليد والتزايد السكاني العامل المعدّل. ويعتبر عمران أن مسألة السكان تمرّ بثلاثة أطوار خلال فترة التحوّل من المعدلات المرتفعة إلى المتدنية للوفيات والمواليد وهي:
1ـ طور المجاعة والآفات والأمراض الوبائيّة : حيث تنقلب معدلات الوفيات والمواليد إلى أعلى درجاتهـا نتيجـة الوباء المتكرّر الناجم عن الطبيعـة، الحروب المدنيـّة ونقص الموارد؛ الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الوباء والعدوى والمجاعة، وتدني مستوى المعيشة، وتوقعات لأعمار قصيرة الأمد تدوم لثلاثين أو أربعين عاماّ فقط. هذا، والمثال الحالي لهذا النمـط الحياتي هم سكان العراق ( بسبب الحصار والعقوبات المفروضة)، والصومال حيث تفقد هذه الشعوب أطفالها الذين هم دون سن الخامسة بسبب نقص الغذاء والدواء. ومن يحيا منهم يبقى مهدداّ بعواقب ونتائج على المدى الطويل، كتوقف النمو أو الموت المفاجيء؛ الأمر الذي يترك أثره على الحياة بصحة جيده، وقدرات تعليمية في المستقبل.
2ـ طور التراجع الوبائي : وهي الفترة اللاحقة التي تعتمد على توافر الخدمات الصحيّة المتضمنة الأدوية الوقائية كاللقاحات، وتحسين التغذية خاصة للنساء والأطفال ؛ الأمر الذي من شأنه أن يسارع بتقليص معدلات الوفيات ، في الوقت الذي تصل فيه معدلات المواليد إلى أعلى مستوياتها أو تتضاعف مؤقتاّ. ونتيجة لذلك، فإن فرص وتوقعات الأعمار سوف تتحسّن وتتراوح ما بين خمسين عاماّ إلى ما يزيد على ستين عاماّ، بالمقارنة مع ثلاثين أو أربعين عاماّ المتوقعة بسبب المجاعة والآفات. وسوف يزداد بالتالي معدل النمو السكاني. يمكن القول أن العديد من الدول العربية قد تجاوزت هذه المرحلة إلى المرحلة التي تليها.
3ـ طور الأمراض بفعل الإنسان : والتي تنشأ بتزايد العمر والتطور الصناعي مثل أمراض الشرايين والضغط وما يرافقه من أمراض، الإصابات بالإشعاعات، السرطان الناتج عن المواد المضافـة والحافظة للأطعمة، تدمير البيئة وتعريضها للتلوث الكيميائي والصناعي؛ الأمر الذي يستحث الجينات على التحوّل والتغيّر الفجائي؛ ممّا يحدث مواليد جدد مختلفة عن الأبوين. معدلات الخصوبة نسبيّاً متدنيّة في هذا الطور، ويستمر النمو السكّاني في ازدياد؛ ولكن في مستويات معيشيّة بسيطة. ينطبق هذا الطور حالياً على دول الخليج العربي.
وعادة ما تمرّ المجتمعات بأحد الأطوار الثلاثة التي سبق ذكرها أثناء تحوّلها الديموغرافي، وتتفاوت فيما بينها بسرعة هذا التحوّل؛ ممّا يجعل كل مجتمع يحتلّ مرتبة مختلفة. وبناءّ عليه، يمكن استنباط هذه النماذج السائدة التالية :
1ـ النموذج التقليدي : والذي رافق الثورة الصناعية في أوروبا، وامتدّ عبر فترة زمنية طويلة، وأحدث تقليصاً جوهرياً في معدلات الخصوبة والوفيات "خاصة في فرنسا، حيث تناقصت معدلات المواليد التي سبقت تناقص وانحدار معدلات الوفيـات ". وصلت معدلات الوفـاة إلى أقل من 10 لكل ألف شخص، ومعدلات الولادة أقل من 20 لكل ألف شخص.
2ـ النموذج المتسارع : وفيه يصبح التركيز على برامج تنظيم الأسرة جنباً إلى جنب مع الخدمات الصحيّة، الوقائية، والعلاجيّة. فتتناقص تدريجياً معدلات الوفيات والمواليد بنسب سريعة. مثال هذا النموذج اليابان وبلدان شرق أوروبا التي بدأت تميل إلى الإجهاَض المتعمّد وتحثّ عليه.
3ـ النموذج المتأخر" البطيء" : والذي ينطبق حاليّاً في الدول النامية. فمعدّل الوفيات بدأ بالتناقص بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي تميّزت فيه معدلات المواليد بالتراجع بعد ذلك بكثير، مع بعض الإستثناءات . وتندرج الدول العربية ضمن هذا النموذج؛ حيث معدلات النمو السكّاني المرتفعة بسبب الفجوة المتزايدة بين معدلات المواليد المرتفعة ومعدلات الوفيات المتدنيّة. إنّ معدلات نمو سكّاني كهذه تفـوق معدلات النمو الاقتصادي، ولا بدّ أن يشكّل فيها النمو السكّاني المتسارع هذا خطراً على المستوى المعيشي للسكّان ؛ الأمر الذي دفع بالدول العربية إلى تبنّي المزيد من السياسات السكانية من أجل إحداث التوازن بين هذا التزايد السكّاني، وتنمية مستدامة، وحماية بيئية.
لمحة ديموغرافيه للسكّان العرب
النمو السكّاني
قدّر مجموع السكّان في الدول العربيّة في منتصف القرن العشرين بحوالي (76 ) مليون نسمه، بمعدّل زيادة سنويّة قدره (2.5 %) لتصـل إلـى ما يزيد عن (144 ) مليون نسمه عام 1975 ( تقريباً ضعف العدد خلال 25 عام). وقد ارتفع معدّل هذه الزيادة إلى ( 2.7 %) بين عاميّ 1975 ـ2000 حيث قدّر عدد السكّان في الوطن العربي عام 2000 حوالي (284 ) مليون نسمه.
تزايد النمو السكّاني بنسبة (2.7 %) خلال النصف الثاني من القرن الماضي مرتفعه جدّاً إذا ما قورنت بمعدلات النمو السكّاني في الدول الأخرى والتي بلغت أقل من (2 %) لنفس الفترة. هذا النمو السكّاني المرتفع ما هو إلاّ نتيجةً حتميّة للجهود المباركة لخفض معدلات الوفاة مقترناً بمجتمعات فتيّة واستمرارية لمعـدلات الخصوبة المرتفعة . وإثر التغيّرات السياسيّة الكبيرة التي طرأت على الدول العربية؛ ومستفيدة من تجارب العالم الغربي في التأكيد على الصحة العامة والسيطرة على معدلات الوفاة؛ فقد عمدت الدول العربية لاتخاذ إجراءات وسياسات من أجل رفع المستوى المعيشي للسكّان إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعدها في مجال الصحة العامة، والسيطرة على معدلات الوفاة.
هذا، وقد عملت الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات متخصّصة في هذا المجال مثل منظمة الصحة العالمية التي قامت بتسهيل ونقل المعرفة والمصادر التي تمّ استخدامها من أجل خفض معدلات الوفاة، وكان أول نجاح لها من خلال توفير الأدوية المتطوّرة ( كالمضادات الحيويّة)، بالإضافة إلى البرامج الدولية التي تهدف للقضاء على الأمراض الطفيلية ( حثّ وتوعية على كيفيّة استخدام المبيدات الحشرية ). وقد كانت منظمة الصحّة العالمية رائده في نقل المعرفة والتزويد بأدواتها ووسائلها الراقية للسيطرة على معدلات الوفاة .وعليه، فقد انخفضت ودون رجعة معدلات الوفاة بين المواليد والأطفال والأمهات والمجتمع ككللّ. الأمر الذي أدى إلى اتساع الفجوة بين معدّلات المواليد ومعدلات الوفاة والتي تؤدي بالتالي إلى التضخم السكّاني المتسارع. فبنهـاية عام 1970 بلغت معـدلات المواليد الخام (42 ) مولود لكل ألف شخص ( أو ما يزيد عن 6 مليون مولود كل عام ) ومعـدلات الوفاة الخام (12.2) لكل ألف شخص ( 1.8 مليون حالة وفاة سنوياً )، أي بزيادة سكانية صافية بلغت ما يزيد على (4) مليون شخص سنوياً.
وتشير التوقعات إلى أن معدلات المواليد وبالتالي معدلات النمو السكّاني سوف يستمرانّ في الارتفاع لغاية القرن الحادي والعشرين. على أية حال، يمكن القول أن هذه المعدلات قد تتناقص تبعاً للتغيرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي عملت على زيادة استخدام وسائل منع الحمل، ومنها ما طرأ من تحسين واضح وتغيّر ملموس من خلال ازدياد تعليم النساء وتوعيتهن وتمكينهنّ، ومشاركة الرجال لتحسين الصحة الإنجابية. وتبعاً لذلك؛ فإن معدّل النمو السكاني سوف يتنـاقص في الربـع الأول من القـرن ليصل إلى (2 %) وبيـن عامي 2025 ـ 2050 ليصل إلى (1.3 % ) ويصبح عدد السكـان (470) مليـون سنة 2025، و(654) مليون مع سنة 2050.وترسخ وعي الدول العربية على الفوائد المتوقعة من تحسين الخدمات الصحية والسيطرة على الوفاة.
لقد حققت الدول العربيّة نتائج إيجابيّة ورائعة عبر تطوير الخدمات الصحيّة والقضاء على الموت الجماعي وتناقصت معدلات الوفاة من ( 16.6 ) لكل ألف شخص في السبعينات إلى ( 12.2 ) لكل ألف شخص في الثمانينــات، و(9.2 ) لكل ألف شخص في التسعينات، وقد تواصل هذا الانخفاض ليبلغ ( 8.9 ) لكل ألف شخص عام 1988 ، ومن المتوقع أن يواصل تراجعه ليصل إلى ( 7.1 ) لكل ألف شخص في العقد الأول من القرن الحادي والعشرون. أمّا معدلات الأعمار حاليّاً في البلاد العربيّة فقد تراوحت بين أعلى مستوياتها (74.9 ) عاماً للرجال، (79.3 ) عاماً للنساء في الكويت، وأكثرها انخفاضا ( 39.9 ) للرجال، (41.6 ) للنساء في جيبوتي. أما أعداد الوفيات فقد استقرت على حوالي ( 11 ) مليون لكل من عقدي الثمانينات والتسعينات، وتشير التوقعات أن هذه المعدلات لن يطرأ عليها تغيير في العقد الأول من القرن الحالي.
التحسينات التي طرأت على الخدمات الصحيّة أدت إلى رفع معدلات الأعمار من ( 49.8 ) سنة في السبعينات إلى ( 57 ) سنة في الثمانينات، ( 61.8 ) سنة في التسعينات، ( 66 ) سنة عام 2000 . هذا الارتفاع والتحسّن الذي طرأ على معدلات الأعمار كان نتيجة الجهود المشتركة التي بذلت من أجل تقليص الوفيات، إن خفض عدد الوفيات هذا قد أسهم بدوره في استدامة الزيادة السكانية. ومع تحسين الخدمات الصحيّة المستمرّ، سوف تواصل معدلات الوفيات تناقصها التدريجي خاصة في الـدول التي ترتفع فيها هـذه المعدلات مثل جيبـوتي ( 16.4 ) ـ الصومال (18.1 ) ـ السـودان ( 14.4 ) ـ موريتانيا ( 17.5 ) ـ واليمـن ( 13.9 ). وما لم توازن ببرامج فاعلة لتنظيم الأسرة؛ فخفض معدلات الوفاة سيقود إلى معدلات مرتفعة للنمو السكاني وإضافات بشريّة في الدول العربية.
ولأن التركيز في مجال الصحة كان للوقاية من الأمراض؛ فالاحتياج لمصادر مالية كبيرة لم يكن ضرورياً لخفض الوفيات. كما أن خفض الوفيات قد تمّ تحقيقها دونما تحسّن ملموس في مستويات المعيشة . إن تقليص معدلات الوفاة بشكل عام وخاصة بين النساء والأطفال والمواليد كان توجهاً ومطلباً دوليا، وتجاوب السكان بشكل إيجابي مع حملات الوقاية مثل التطعيم؛ الأمر الذي أثّر تأثيراً مباشراً من حيث السيطرة على الأمراض المعدية.
تناقصت معدلات الوفاة بشكل متسارع بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى التحسّن بأحوال المرأة الصحيّة إلى بعض الزيادة بالخصوبة والتي هي مرتفعة أصلاً. أدّى ذلك إلى زيادة إضافيّة لمعدلات النمو السكاني المرتفعـة؛ حيث ازدادت من ( 2.5 %) بالسنة للفتـرة 1950ـ1975 إلى ( 2.7% ) للفترة 1975ـ2000 . وكان من الممكن أن يكون هذا المعدّل أعلى في بعض الدول العربية ومنها تونس، مصر، الجزائر، والمغرب ما لم يكن لديها مبادرات ناجحة لتخفيض الخصوبة من خلال تطبيق برامج تنظيم الأسرة تطبيقاً واسعاً.
كما تلعب المجتمعات الشابة دوراً حاسماً في النمو السكاني، ففي الثمانينات بلغ عدد الذين هم دون سن الخامسة عشر ( 47% ) من مجموع السكان، أي أكثر من ( 77 ) مليون نسمة، وبحلول التسـعينات يتوقع أن ينجبوا ويتكاثروا. وقد وصل عدد السكان الشباب في التسـعينات ( 100 ) مليون. ومن المتوقع أن يصل عدد من هم دون الخامسة عشر بحلول العقد الأول من الألفية الجديدة حوالي ( 130 ) مليون نسمة.
واستناداً للهرم السكاني المصنّف حسب العمر والجنس، نلاحظ أن الأعداد التي تدخل فئة سنوات الإخصاب أكثر بكثير من هؤلاء الذين تنتهي لديهم فترة الإخصاب. ومن هنا، فإن المجتمعات التي يتزايد فيها السكان الشباب ويتزايد فيها الزواج المبكر يتواصل فيها التوالد المتتالي، وهذا ما يوصف بالزخم السكاني. ولن يكون هناك مخرج أو فائدة؛ لأننا لو افترضنا أن كل زوجين سيكون إنجابهم بمعدل 2.1 طفل لكل زوجين، وهو المعدل المخفف؛ سيظلّ الارتفاع في معدلات النمو السكاني قائم بسبب هذا الزخم.
ولتوضيح ذلـك، كان هناك ( 37 ) مليـون امرأة في عمر الإخصاب ( 15 ـ 49 سنة ) عام 1980؛ ووصل هذا الرقم إلى ( 50 ) مليون عام 1990، ثمّ ( 69 ) مليون بحلول عام2000، وسوف يواصل ارتفاعـه بمرور السنوات. وكان العمر الوسيط في الدول العربيـة ( 18 ) سنه عام 1980 ، تزايد ببطء شـديد ليصل إلى ( 18.4 ) سنه عام 1990 ، وإلـى (19.5 ) سنه عام 2000 .
وبانخفاض معدلات الخصوبة والنمو السكاني، يتوقّع للدول العربية أن تأخذ وقتاً أطول لمضاعفة عدد سكانها. واستناداً للمعدل السائد بين عامي 1975 ـ 1980 جاءت التوقعات بأن تضاعف الدول العربية سكانها خلال ( 22 ) عام. بحلول عام 2000 اختلفت التوقعات لتصل إلى ( 30 ) عام، وقد تزداد لتصل إلى ( 43 ) عام بحلول عام 2025 ، ومن المتوقع أن تحتاج إلى ( 63 ) عاماً بحلول عام 2050 . على أية حال، فإن الوطن العربي يشمل سبعة دول يمكن أن تضاعف عدد سكانها بعام 1990 خلال عشرين سنه أو أقلّ. وهذه الإحصائيات مثيرة للقلق عندما تصبح الأرض غير قادرة على إشباع من عليها، ويكمن الخطر في قلة موارد المياه، والتصحّر، وانكماش الأرض الزراعية بسبب الزحف السكاني والعمراني عليها.
التوزيع السكاني
يتوزع الوطن العربي على اثنين وعشرين دولة ممتدّة من الخليج العربي شرقاً إلى المحيـط الأطلسي غرباً بمساحة كاملة قدّرت بـ ( 14 ) مليون كيلو متر مربع. وجميع الدول العربية أعضاء في جامعة الدول العربية، ويمكن توزيع دول الوطن العربي جغرافياً إلى أربع مجموعات وهي التالية :
1ـ وادي النيل والقرن الإفريقي ويضم : مصر، السودان، الصومال، جزر القمر، جيبوتي.
2ـ شمال أفريقيا ويضم : ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا.
3ـ الهلال الخصيب ويضم : العراق، سوريا، الأردن، لبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلّة.
4ـ شبه الجزيرة العربيّة ودول الخليج العربي ويضم : المملكة العربية السعودية، اليمن، عمـان، الإمارات العربيـّة المتحدة، قطـر، البحريـن، والكـويت.
واستناداً لتقديرات السكان عام 2000 ، بلغ عدد سكان المجموعة الأولى ( 109 ) مليون نسمه أو ( 38 % ) من إجمالي عدد السكان في الوطن العربي، وتتناقص نسبة هذه المجموعة والتي بلــغت ( 44 %) عام 1950 من مجموع السكان الإجمالي ليصل حسب ما هو متوقع له إلى ( 34 %) مع منتصف القرن الحادي والعشرين . يشكل سكان شمال أفريقيا ربع سكان الوطن العربي بنسبة ( 27 %) مع عام 2000، نزولاً من نسبة ( 30 %) عام 1950، وتوقع نسبة ( 20 % ) من سكان العالم العربي بحلول عام 2050 . أما سكان الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربيّـة والخليج العربي فيشكلون ما تبقى من مجموع السكان الإجمالي بتقديرات متساوية تتراوح بين 17 ـ 18 % لكل مجموعة.
وتعتبر مصر أكثر الدول العربيـة سكاناً وبنسبة 28 % من إجمالي السكان العرب عام 1950 . وتحتـل الجزائر والسـودان والمغرب المركـز الثاني في حجم السكـان والذي يتراوح بيـن ( 11 ـ 12 %) لكل دولة، وتأتي العراق في المرتبة الخامسة ( 7%) ، ثم اليمن، تونس، سوريا والمملكة العربيّـة السعودية بنسب تتراوح بيـن (5 ـ6 %) لكل دولة. أما لبنان، الأردن، ليبيا، موريتانيا، والأراضي الفلسطينية المحتلة فتتراوح جميعها بنسبة ( 7 %)؛ في الوقت الذي تشكل فيه البحرين، جزر القمر، جيبوتي، قطر، والإمارات العربيّة المتحدة أقل مـن ( 1 %) مجتمعة من مجموع السكان العرب.
ولقد تزايدت معدلات النمو السكاني في كافة الأقطار العربية ، في حين تباين الانخفاض لمعـدلات الوفاة ، ومبقية على معدلات الخصوبة كما هي ، بالإضافة إلى الهجرة الدولية (وهذه الأسباب التي تحدث فجوة كبيرة بين معدلات المواليد والوفيات) ، أدت إلى تزايد سكاني في دول أسرع من غيرها . لقد ازداد معدل النمو السكاني في معظم الأقطار العربية منذ مطلع الخمسينات حتى أواخر السبعينات. وبلغت معدلات النمو السكاني التي سادت منذ الخمسينات لنسـبة تصل ( 2 % ) سنوياً أو أكثر، عدا الأراضي الفلسطينية المحتلة التي بلغت أقل من ( 1 % ) بسبب الهجرات القسرية باتجاه الأردن ( والتي أدت إلى زيادة سكانيّـة مرتفعـة في الأردن ) . فالهجرات السكانية والنمو السكاني الطبيعي أديا إلى معدلات نمو سكاني مرتفعة في البحرين، جيبوتي ، المملكة العربية السعودية ، قطر ، الإمارات العربية المتحدة ، عمان ، والكويت . وقد اعتبر عقد التسعينات والذي شهد أعلى ارتفاع لأسعار النفط؛ أكثر العقود التي شهدت تنامياً سكانياً لدول الخليج العربي بسبب الهجرة العاملة .
ولقد ساد أعلى معدل نمو سكاني في الربع الأخير من القرن الماضي في كل من البحرين، جزر القمر، جيبوتي، العراق، الأردن، الكويت، عُمان، السعودية، الصومال، الإمارات العربية المتحدة واليمن. وبنهاية القرن العشرين قدّر مجموع السكان في الدول العربية (284) مليون نسمة وقد بلغت نسبة سكان كل من مصر، الجزائر، السودان، تونس، ولبنان في خفض معدلاتها إلى 24 ،11 ،11، 3،1 % على التوالي. هذا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسب أكثر في منتصف القرن الحادي والعشرين، حيث يتوقع لمصر أن تخفض نسبة سكانها إلى ما يقارب خمس العدد الإجمالي للسكان العرب أو (17 %)، الجزائر (7.8 %)، السودان (9.7 %)، وأما تونس فستصل إلى (2 %)، ولبنان إلى أقل من (1 %) من مجموع سكان الدول العربية.
التركيبة العمرية
استمر التركيب السكاني في الدول العربية بالتغير منذ منتصف القرن الماضي، ومن المتوقع أن يواصل تغيّـره تبعاً للتحوّلات الديموغرافية النموذج البطيء والذي بدأ في بعض الدول العربية قبل أخرى. فبدأ معدل الوفيات يتناقص تدريجياً بعد الخمسينات في حين ارتفع معدل الولادات أو بقي عالياً. ومن هنا فقد ازدادت نسبة من هم دون سن الخامسة عشرة ً ،وترافقت هذه الزيادة مع انخفاض نسبة من هم في سن العمل ونسبة كبار السن. أما في الدول المنتجة للنفط فقد ارتفعت نسبة السكان العاملين والمنتجين وذلك نتيجة هجرات العمل الوافدة تبعاً لارتفاع أسعار النفط والذي تبعه تنمية اقتصادية .
بشكل عام، بدأت معدلات الخصوبة (عدد الأطفال للمرأة) بالتناقص منذ أوائل الستينات والسبعينات في بعض الدول العربية، وفي الوقت الذي لوحظ أن انخفاض هذه المعدلات في معظم الدول بدأ من الثمانينات؛ إلاّ أن هذا الانخفاض في معدل الخصوبة قد أدى الى ارتفاع عدد السكان من فئة سن العاملين(المنتجين)، وبالاستنتاج من الدول التي أتمت هذا التحوّل الديموغرافي؛ فإن انحدار معدل الخصوبة متى بدأ سيستمر حيث سيحافظ الزوجان على إنجاب عدد أقل من الأطفال للاستفادة من فكرة الأسرة الصغيرة والمغانم المكتسبة. لذلك، من المتوقع أن يستمر الانخفاض في معدل الخصوبة في الدول العربية بسرعة متفاوتة بين الدول نفسهـا، وتدريجياً سوف تتناقص نسبة من هم دون الخامسة عشر لتصل في النهاية وتشكل 4/1 مجموع السكان ، في الوقت الذي تزيد فيه نسبة كبار السـن وتصل بالتحديد لتشـكّل 15 % ( ثلاثة أضعاف النسبة الحالية ). ومن هنا ، فالمشكلة المستقبلية في الدول العربية هي مشكلة التعمير.
إن التغيّـرات الهيكلية للاعمار للسكان العرب لها تأثير على معدلات الإعالة. فلقد شهد الربع الثالث من القرن الماضي ارتفاع بنسب الإعالة بسبب تدني معدل الوفيات ومعدلات الخصوبة المرتفعة. ولقد بدأت نسب الإعالة بالانخفاض خلال الربع الأخير بسبب انخفاض الخصوبة. وسيستمر هذا الانخفاض خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين كما يتوقع لزيادة أعداد كبار السن أن تعوض النقص بأعداد الأطفال .
وبحلول عام 2000 ، كانت نسبة الأطفال لدى عدد قليل من الدول العربيةأقل من 3/1 مجموع السكان ودولتان فقط وهما : تونس ولبنان وصلتا لهذه النسبة بسبب خفض الخصوبة، أما في دول عربية أخرى فقد بلغت نسبة السكان الأطفال 3/1 السكان بسبب العمالة الوافدة، وهذه الدول هي : البحرين ، الكويت ، قطر ، الإمارات العربية المتحدة . وقد تمّ لها ذلك بفعل الهجرات السكانية إليها للعمل. ومن المتوقع عام 2025 أن يصل مجموع من هم دون الخامسة عشر أقل من 3/1 مجموع السكان في كل من الدول التالية : الجزائر ، مصر ، العراق ، الأردن ، ليبيا ، المغرب، السودان ، سوريا .
الوفيات والمواليد
تعتبر توقعات الأعمار مؤشراً قوياً للوفيات لكافة فئات الأعمار ، بما في ذلك المواليد الجدد والأطفال وكبار السن . وقد عكست المستويات العالية لمعدل الوفيات منذ بداية الخمسينات مستويات متدنيّة لتوقعات الحياة في معظم الدول العربية، فقد كان متوقعاً للمرأة أن تعيش حوالي أربعين عاماً، في الوقت الذي كان متوقعاً للرجال أعمار أدنى من ذلك بعامين ؛ إلاّ أن التحسينات التي طرأت على الخدمات الصحية خاصة والظروف المعيشية ومستواها بشكل عام، قد رفعت توقعات الحياة. وقد ازدادت هذه التوقعات لكل الدول العربية تقريباً حوالي عشر سنوات أو أكثر مما كان متوقعاً لها خلال الربع الثالث من القرن الماضي مع إضافة إلى عشر سنوات أخرى في الربع الأخير ، في الوقت الذي تمكنت فيه بعض الدول من رفع معدل الأعمار أكثر من ذلك مثل : العراق ، الأردن ، عمان ، الإمارات العربية المتحدة ، المملكة العربية السعودية ، وقطر. هذا وقد حققت غالبية الدول العربية مستويات جيدة في خفض معدل الوفيات بانتهاء هذا القرن من خلال السيطرة على الأمراض المعدية والطفيلية (المطاعيم والمضادات) مما أدى إلى رفع لتوقعات الحياة. إن الجهد المطلوب لمزيد من خفض معدلات الوفيات قد يتطلب كلفة مادية عالية ولكنه سوف يفضي إلى نتائج ومكاسب قد تكون محدودة وتحتاج لوقت من أجل كسب نتائجها وقطف ثمارها . فبحلول عام 2025 يتوقع أن ترفع هذه الدول توقعات الحياة خمس إلى سبع سنوات إضافية، وفي الربع الثاني من القرن الحالي زيادة تقدر بـ 2-3 سنوات.
وبالرغم من التحسينات التي طرأت على الخدمات الصحية في الدول العربية وما نتج عنها من خفض لمعدلات الوفيات ومعدل الوفيات للأطفال الرضع، والمواليد الجدد ومعدل الوفيات للأمهات، إلا أن هذه المعدلات لا يزال مرتفعاً. لقد انخفض معدل الوفيات الخام من (12.2 ) لكل ألف شخص عام 1980 إلى ( 8.9 ) لكل ألف شخص عام 1998 . وقد كانت تجارب بعض الدول أفضل من غيرها ، وجاءت هذه النتائج بهذه المستويات استناداً للسنة الأساسية التي بدأ بها تغيير الهيكل السكاني بالإضافة إلى مصادر التمويل والوضع الاقتصادي . كانت نسبة وفيات الأطفال الرضع (99 ) لكل ألف مولود حي عام 1980 ، وتناقصت لتصل (69) لكل ألف مولود حي عام 1990 وصولاً إلى (51) لكل ألف مولود حي عام 2000. علماً بأن ثمانية دول عربية فقط حالياً قد حققت معدلات وفيات أطفال رضع أقل من 30 لكل ألف مولود حي بينما توجد 5 دول عربية بمعدلات وفيات أطفال رضع أعلى من 80 لكل ألف مولود حي.
وفيات الأمهات الحوامل مرتفعة أيضاً في الدول العربية ، بالإضافة إلى الأنماط المختلفة من التمييز ضد المرأة عبر دورة الحياة بسبب توزيع الأدوار للنوع الاجتماعي. ويرجع معدل الوفيات المرتفع لدى الأمهات والمواليد الجدد إلى الحمل المبكر ، الحمل المتأخر ، والحمل المتكرر والمتتالي . هذه العوامل تعمل على استنزاف صحة الأمهات وحرمانهن من فرصة استعادة قواهن وتعويض ما فقدنه من بروتينات ومعادن، وتشير معدلات الخصوبة في الدول العربية إلى (6) أطفال عام 1980، وانخفضت هذه الخصوبة لتصل إلى (5.2) طفل عالم 1990 و(4.2) طفل عام 2000 وهو ضعف معدل الاحلال، في الوقت المقدر بـ ( 2.1 ) طفل لكل امرأة. على أية حال؛ تبقى معدلات الخصوبة الزوجية (عدد المواليد للمرأة المتزوجة) أكبر بكثير من معدلات الخصوبة الكلية بشكل عام. هذا، وفي عام 1990 كان هناك أربعة دول عربية فقط بمعدلات خصوبة لا تزيد على 4 مواليد للمرأة، وبلغ عدد هذه الدول (10) بنهاية عام 2000 وهي: الجزائر، البحرين، مصر، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، تونس، قطر والإمارات العربية المتحدة. ومن ناحية أخرى ، فقد كانت معدلات المواليد الخام (40) مولود لكل 1,000 نسمة عام 1980، وبقيت هذه المعدلات مرتفعة طوال العقدين التاليين حيث وصلت (30) طفل لكل 1,000 نسمة.
ولقد جاء تخفيض معدلات الخصوبة نتيجة لبرامج تنظيم الأسرة واستخدام وسائل تنظيم الأسرة في العديد من الدول ، بالإضافة إلى العوامل الأخرى مثل رفع سن الزواج الذي ساد في العديد من الدول. إن نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة هو دون الطلب الفعلي (18 %). فعشرة دول فقط بلغت معدلات استخدام وسائــل تنظيم الأسرة بها (30 %) أو أكثر، وأربعة دول فقط وصلت نسبة استخــدامها إلى (50 %) أو أكثر ، ومن أجل أن نصل إلى معدل الاحلال السكاني أي معدل خصوبة كلية (2.1 ) طفل لكل امرأة؛ يجب زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة إلى (60 %) من الأزواج ، أي إلى (42) مليون زوج وزوجة حالياً في الدول العربية، إلى أكثر من (50) مليون زوج وزوجة عام 2005 . وتحقيق هذا الهدف لا يعني أن يتوقف النمو السكاني في الوطن العربي ، لأن النمو السكاني سوف يتواصل لقرن كامل حتى لو بلغت بسبب الزخم السكاني للدول العربية معدلات الخصوبة الكلية أقل من 2.1 طفل للمرأة وهو معدل الاحلال السكاني وذلك قبل أن يستقر حجم السكان. هذا وبالسرعة التي تفي الدول العربية بإشباع احتياجات شعوبها من وسائل تنظيم الأسرة فإنها تسرع بالوصول إلى حجم سكان ثابت.
الصحة الإنجابية في الوطن العربي
الصحة الإنجابيّـة – تعريفها ومسارها
إن الإجماع على تعريف الصحة الإنجابية عام 1994 في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية يعتبر خطوة هامة للبدء بترجمة توجهاته نحو خدمات تقدّم في هذا المجال. وقد عرفت الصحة الإنجابية : " بأنها حالة متكاملة من الصحة الجسدية والعقلية والاجتماعية ، وليست تعبيراً عà غياب المرض فقط بكل الأحوال والأمور المتعلقة بالجهاز الإنجابي ووظائفه " .
ولقد أسس هذا التعريف نقلة منهجيّة وبدائل لبرامج تنظيم الأسرة السابقة، والتي كانت تتركز أساساً على تحقيق الأهداف الديموغرافيه بشكل أفقي، بينما أكد المؤتمر العالمي للسكان والتنمية ضمن خطته التنفيذيّة على أهمية ومحورية تنظيم الأسرة ضمن رعاية صحيّة جنسيّة وإنجابيّة متكاملة. ولا بدّ أن يصاحبه تطوّر في تفكير مقدّمي الخدمة. ويتطلّب هذا الفهم الجديد المنهج المتكامل ويركّز على نوعية الخدمات، واحتياجات الفرد على أن تكون صديقة للشباب والشابات وخصوصية قضايا المرأة ومتضمنة لاحتياجات الرجال والنساء في مراحل العمر المختلفة، والتأكيد على رؤيا معرفية بقضايا حقوق الإنسان، حقوق المرأة، وحق الإنجاب . وهكذا، تصبح العناصر الأساسية لهذه الرؤيا وهذا الفهم الجديد أساساً للنوع الاجتماعي / السكان / برامج التنمية وبرامج الصحة الإنجابية ، وتتضمن الأمور التالية:
1ـ الحفاظ على حقّ المرأة بتقرير خصوبتها وذلك من خلال حقوق المرأة وحقوق الإنسـان وبرامج تنظيم الأسرة وصحتها الإنجابيّة وحقوق المرأة الجنسية، والتي تعني حقها في ضبط وتسيير هذه القضايا من أجل الحفاظ على صحتها وخاصة معدل خصوبتها (أساس تمكين المرأة ) .
2ـ تمكين المرأة : في الوقت الذي تمّ التوجه الدولي فيه نحو دعم المرأة في المناصب العليا ومراكز صنع القرار، كذلك يجب النهوض بالنساء اللاتي يشغلن مناصب أدنى. ( إن عناصر العدالة والقضاء والديمقراطية والديموميّة هي من أهم العناصر لدعم المرأة وتمكينها وتطورها).
3ـ تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين دون : إن توفير الفرص المتكافئة بين الجنسين يتطلب أن يبدءا معاً بنفس الدرجة من التساوي منذ الطفولة. وعندما تكون الأوضاع غير متكافئة بينهما، فإن تعرضهما للمعرفة والإطلاع في المجتمع لن يكون مماثلاً. وتحقيق معاملة خاصة، واتخاذ خطوات إيجابية بما يتوافق واحتياجات المرأة وظروفها يتطلّب تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة، ويجب أن نسعى للتمييز لصالح المرأة. وهذا يعني تعديل القوانين والتشريعات بما ينصف المرأة في الأمور المتعلقة بها وبحياتها. فمثلاً الأمور المتعلقة بالصحة الإنجابية حيث تشارك المرأة وتقوم بالجزء الأكبر بما في ذلك من مخاطر وأعباء جسدية وعقلية واجتماعية واقتصادية، وغيرها؛ فلا بد أن تعطى مساحة أكبر من حق أخذ القرار وضبطه. إن الإصرار على المساواة المطلقة بين الجنسين ليست دائماً هي العدل والإنصاف .
4ـ إزالة كافة أشكال العنـف ضد المرأة : والمتمثلة في العنف القائـم على النوع الإجتماعي والعنف ضد المرأة والعنف الجنسي الذي يعتبر مشكلة عامة ومنتشرة ( منظمة الصحة العالمية / مكتب الشرق الأوسط الإقليمي ) وعنصر أساسي تكميلي للصحة الإنجابيـة ( صندوق الأمم المتحدة للسكان 1999 ) .
الصحة الإنجابية في الوطن العربي. وضعها وتحدياتها.
طرأت تغيرات إيجابية ونتائج متطورة على صحة المواليد والأطفال وتوقعات الحياة في كل الدول العربية، وقد أدت الاضطرابات والحروب في بعض الدول المقاطعة بسبب دواعي الحروب إلى مستويات مختلفة ومتباينة بين الدول نفسها. وقد أدى الانخفاض في معدل الوفيات إلى ترك انطباع جيد؛ حيث انخفض من ( 16.6 ) وفاة لكل ألف شخص في السبعينات إلى ( 8.9 ) وفاة لكل ألف شخص في 1998. كما طرأت تحسينات خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الخدمات الصحية أدت بالتالي إلى ارتفاع توقـع الحياة إلى ( 60 ) عـام ( مع بعض الاختلافات بين الدول ). وبلغ تسجيل الطلاب في المدارس الابتدائية( 100 %) في معظم الدول العربية، وسجل محو الأمية عند الكبار إنجازات هامة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات؛ لا يزال نحو ( 70 ) مليون عربي أكثرهم من النساء الريفيات أميوّن لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. وهذا بدوره يشكل علاقة عكسيّة بين مستويات الخصوبة، ووضع المرأة والصحة العامة. فمعدل الخصوبة يتدنّى، ولكن لبس بنفس السرعة التي في أمريكا اللاتينية وآسيا. وفيات الأمهات: يظهر الجدول (13) أن أكثر من نصف الدول العربية تعاني من مستويات عالية لوفيات الأمهات (أكثر من 75 وفاة لكل 100.00 ولادة حيّة ). وأكثر من ثلث الدول العربية تعاني من معدلات أعلى من (200 ) حالة لكل (100.000 ) ولادة حيّة. دولتان عربيتان فقط نجحتا في تقليل هذه النسبة وهما الكويت والإمارات العربية المتحدة لتصل إلى ما هو مقارب للمعدلات الدولية ( ليس أكثر من 5 حالات بين 100.000 ولادة حيّة ) بالإضافة إلى نسبة عالية من الكفاءة والمهارة والخدمات الطبية للحوامـل بلغت (95 %) أو أكثر . بينما استطاعـت دول خليجية أخـرى من تحقيـق مستويات أقل تطـّور (10 ـ20 وفاة لكل 100.000 ولادة حيّة).
واستناداً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية حول معدل الوفيات للأمهات، تتوضح المفارقة الكبرى بين الدول الصناعيّة والدول النامية، فالمرأة في الدول النامية احتمال تعرضها للوفاة ثلاث مرات أكثر بسبب الحمل عن المرأة في الدول الصناعيّة، ومن هنا وضعت الدول العربية على قائمة الدول النامية فيما يتعلّق بوفيات الأمهات .
أسباب وفيات الأمهات
إنّ (99 %) ، وبما يقـارب ( 585.000 ) حالة وفـاة سنوية للأمهات هي في الـدول النامية، بما فيها الدول العربية، حيث مشاكل الحمل والولادة تأخذ حياة أم من بين كل (48) أم، ومعظم هذه الوفيات يمكن تجنبها. فهناك أربع مشاكل شائعة وبالغة الأهمية؛ إذا تمّ التأخير في اتخاذ قرار بشأنها شكّلت خطورة بالغة على حياة الأم الحامل وهي :
التأخير في التعرّف على وجود مشكلة تتعلق بالحمل والولادة،
التأخير في اتخاذ القرار بالتدخّل الطبّي،
التأخير في قرار نقل المرأة لموقع الخدمات الصحية، و
التأخير في الوصول إلى هذه الخدمات.
وعليه، فإن وجود ترتيب على مستوى المجتمع المحلّي بهدف تأمين سهولة المواصلات إلى مراكز الأمومة والطفولة والخدمات الصحية؛ أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على حياة الأم وسلامتها. وتعود أسباب الوفاة للأمهات في الدول النامية إلى : تعفن الدم ـ تشنّج الولادة ـ النزف ـ عسر الولادة ـ مشاكل الإجهاض. إلاّ أن معظم الوفيات تندرج بسبب النزيف الناجم عن الحمل الخارجي ـ انسداد الأوعية الدموية ـ ضغط الدم الناتج عن الحمل ـ ومشاكل التخدير .
تكمن كيفية الحدّ من هذه الوفيات في توفير خدمات جراحة الولادة الطارئة المزودة بعلاج حالات النزيف، الالتهابات، ضغط الدم، والولادة المتعسّرة. كما أن وسائل إنقاذ الحياة مثل نظام التحويل للمستشفيات والمضادات الحيوية والجراحة ليست متوفرة لنساء كثيرات في الدول العربية، خاصة اللواتي يعيشن في الريف. واستناداً لمعدلات تغطية الخدمات الطبية؛ فإن النسـبة تتراوح بيـن (100 %) في دول الخليج وبين (20 %) في الصومال. فكلّما قلّت نسبة التغطية الطبيّة للسكان كلما اتسعت الفجوة بين سكان الحضر والريف بالنسبة للحفاظ على حياة المرأة فيما حول الولادة.
أمراض الحمل والولادة
تعتبر معدلات الوفاة للأمهات رأس الجبل الجليدي للأمراض الناجمة بسبب الحمل؛ والتي قدّرت بحـوالــي (585.000 ) حالة سينتهي بهم الأمر إلى الوفاة من بين (150 ) مليون أم حامل، (34 ) مليون حالة مشاكل صحيّة بسبب الحمل، (20 ) مليون حالة عجز حقيقي وأمراض شديدة، وملايين الحالات الأخرى التي تفاقمت بسبب أمراض الحمل مثل : الملاريا، فقر الدم، التهابات الكبد، أمراض القلب، السكري، السل، والعديد من المشاكل الأخرى.
في الوطن العربي حيث معدل الوفيات للأمهات لا تزال مرتفعة؛ تشير الدلائل أن أمراض الحمل والولادة هي أكثر مما هو معروف عنها، إلاّ أن قلة المعلومات حول هذه الأمراض من حيث حجمها وأنماطها تشكّل عائقاً لمواجهتها بشكل شامل. يتم الاعتماد كليّاً على المؤسسات الوطنية والدولية في الدول العربية من أجل جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالمرأة والصحة فيما حول الولادة .
إن الأمراض المزمنة وسوء التغذية يجعلان الأم غير قادرة على مجابهة المطالب الجسدية للحمل، وفقر الـدم عادة ما يكون من نتائج سوء التغذيـة والتي تؤثر على ما يتـراوح بيـن ( 18 ـ54 %) من النساء الحوامل في الوطن العربي خلال الثلاثة عقود الأخيرة. كذلك عمر المرأة وعدد مرات الحمل لها أثرها البالغ على الاحتمالات المتعلقة بالوفاة أثناء الحمل .
النتائج المترتبة على وفيات المواليد والأطفـال
يعاني المواليد والأطفال من آثار صحة الأمومة المتدنيّة ولنفس الأسباب التي تودي بحياة الأمهات وتتركهن مرضى، حيث تسـاهم هـذه بمـا يقـدر ب(8) مليـون من حـالات ولادة جنين ميت أو موته عند الولادة. وتكمن المأساة حين تموت الأم حيث ترتفع الاحتمالات لوفاة المولود أيضاً. وبدون صحة جيدة للأمهات وتمكينهـن لا يمكن إنجاب أطفـال أصحاء " صادق 993 " .
وفيات المواليد والأطفال
يشير الجدول رقم (9) أن معدل وفيات المواليد الجدد متفاوتة بين الدول العربية، ويلاحظ خفض كبير لهذه المعدلات في كافة الأقطار عدا العراق، حيث أدّت العقوبات والحصار إلى تزايد أعداد الوفيات. واستطاعت كل من البحرين، الكويت، قطر، والإمارات العربية المتحدة خفض هذه الوفيات لمعدلات أقل من (20) وفاة لكل (1000) مولود حيّ. أما في كلّ من جيبوتي، العراق، موريتانيا، الصومال، السودان، واليمن ؛ فقد دلّت النتائج أن معدل وفيات المواليد يصل إلى(95) أو أكثر لكل ألف مولود حيّ ( بالنسبة للعراق ، فقد حقق معدلات منخفضة قبل حرب الخليج ) .
الخصوبة المرتفعة
كما ناقشنا سابقاً، فان معدل المواليد للمرأة قد انخفض من (6.6) طفل لكل امرأة عام 1950 إلى (4.2) طفل لكل امرأة حالياً، مع اختلافات كبيرة بين الدول. وتظل هذه المعدلات مرتفعة جداً عن المعدلات الدولية والبالغ (2.7) طفل لكل امرأة. جدول رقم (14) يشير إلى انخفاض مستويات الخصوبة ما بين عامي 1978 ـ 1988 في كل الدول العربية عدا الصومال واليمن التي حققت أعلى معدل خصوبة في العالم. أربعة دول عربية حققت مستويات خصوبة أقل من (3) لكل امرأة وهي : البحرين، الكويت، لبنان، وتونس وهناك أربعة محددات رئيسية للخصوبة في الوطن العربي وهي :
عمر المرأة عند الزواج .
طول فترة انقطاع الدورة الشهرية بعد الولادة ( الحماية الطبيعية ) .
الإجهاض المتعمّد و
نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة .
استخدام وسائل تنظيم الأسرة
معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة في الوطن العربي ليست متوفرة لجميع الدول العربية، فالإحصــائيات متوفرة لعشرين دولة فقط منها (14) دولـة لديها معـدلات اسـتخدام بنسـبة (30 %) أو أكثر لجميع الوسائل، ومن ضمنهاعشرة دول تبلغ نسبة استخدامها للوسـائل الحديثة (30 %) أو أكثر، (9) دول تبلغ نسبة الاستخدام فيها(50 %) أو أكثر لأية وسيلة، أربعة دول منها تستخدم الوسائل الحديثة بنسبة (50 %) أو أكثر. وللوصول إلى خصوبة بمستوى الإحلال السكاني وهو (2.1 ) طفل لكل امرأة؛ فإننا نحتاج لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة بنسبة (60 %). وتحقيق هذا الهدف لا يعني توقف النمو السكاني وأن يصبح صفراً، فبسبب التضخم السكاني سيواصل النمو السكاني تزايده على مدى قرن قادم حتى يحقق توازن واستقرار وثبات للسكان.
وبنظرة فاحصة للجدول رقم (14) تشير إحصاءات الدول العربية إلى أن المعدلات المرتفعة لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة كان عليها أن تفضي إلى معدلات منخفضة للخصوبة أكثر من تلك المحققة. وبتفحص مستويات الخصوبة العمرية ومستويات استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة يظهر جلياً أن النساء اللواتي ولدن 3 مرّات الشريحة الكبرى لمستخدمات هذه الوسائل. كما تشير الإحصاءات أن استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين فئة الشباب ضعيفة، ويكثر الاستخدام غالباً لدى النساء اللواتي أتممن الإنجاب عن النساء اللواتي يباعـدن بين الحمـول ( جدول رقم 15 ). كما أن نسبة الإخفاق وعدم الانتظام في استخدام هذه الوسائل وبخاصة اللولب والحبوب يدلّ على انخفاض نوعية الخدمات. ومع التحسينات التي طرأت على نوعية الخدمات بالإضافة إلى العناية بالأمهات وتعليمهن؛ فان التوقعات تشير إلى زيادة فاعلية هذه الوسائل وخفض لمستويات الخصوبة. وبالمتوسط فإن درجة عدم إشباع الاحتياجات من الوسائل في الدول العربية فتصل معـدّلاتها إلى (18 %). جدول رقم (16) يشير إن نسبة عدم الإشباع تتراوح معدلاتها في أقصاهـا من (38.6 %) فـي اليمــن إلــى (11.2 %) في مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق